فصل: واختلفوا هل يوصف البارئ بالقدرة على أن يخلق جواهر لا أعراض فيها أم لا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين **


  واختلفوا في قدرة الإنسان على ما علم الله أنه لا يكون

فأجازت المعتزلة ذلك وأنكره أهل الإثبات‏.‏

واختلفوا في جواز كون ما علم الله أنه لا يكون‏:‏ فقال أكثر المعتزلة‏:‏ ما علم الله أنه لا يكون لاستحالته أو للعجز عنه فلا يجوز كونه مع استحالته ولا مع العجز عنه ومن قال أنه يجوز أن يكون المعجوز عنه بأن يرتفع العجز عنه وتحدث القوة عليه فيكون الله عالماً بأنه يكون يذهب بقوله يجوز إلى أن الله قادر على ذلك فقد صدق وما علم الله أنه لا يكون لترك فاعله له فمن قال‏:‏ يجوز أن يكون بأن لا يتركه فاعله ويفعل أخذه بدلاً من تركه فيكون الله عالماً بأنه يفعله يريد بقوله يجوز يقدر فذلك صحيح‏.‏

وقال الأسواري مثل ما حكيناه من إنكاره أن يقال أن الله قادر على أن يكون ما علم أنه لا يكون‏.‏

وقال عباد بن سليمان‏:‏ قول من قال‏:‏ يجوز أن يكون ما علم الله أنه لا يكون كقوله‏:‏ يكون ما علم الله أنه لا يكون وأحال القول‏:‏ يجوز ما علم الله أنه لا يكون لأن معنى يجوز معنى يكون عنده‏.‏

وقال محمد بن عبد الوهاب الجبائي‏:‏ ما علم الله سبحانه أنه لا يكون وأخبر بأنه لا يكون فلا يجوز أن يكون عند من صدق بأخبار الله عز وجل وما علم الله أنه لا يكون ولم يخبر بأنه لا يكون فجائز عندنا أن يكون وتجويزنا لذلك هو الشك في أن يكون أو لا يكون لأن يجوز عنده بمعنى الشك وبمعنى يحل‏.‏

وكل المعتزلة لا يجوز أن يكون الشيء في حال كون ضده على البدل بأن لا يكون كان ضده وينكر ذلك ممن قال ذلك من أهل الإثبات ويقول أكثرهم أنه جائز أن يكون ما أخبر الله أنه لا يكون بأن لا يكون كان أخبر أنه لا يكون فإن كان تجويزهم لهذا ليس بتجويز لأن يكون الشيء كائناً لا كائناً في حال واحدة فكذلك تجويز من جوز كون الشيء في حال كون ضده من أهل الإثبات ليس بتجويز لاجتماع المتضادات‏.‏

واختلف الناس هل يقدر الله سبحانه أن يقدر أحداً على فعل الأجسام أم لا يوصف بالقدرة على ذلك وهل يقدر الله أن يقدر أحداً على فعل الحياة والموت أم لا يوصف بالقدرة على ذلك فقال معمر‏:‏ لا يوصف الله سبحانه بالقدرة على أن يخلق قدرة لأحد وما خلق الله لأحد قدرة على موت ولا حياة ولا يجوز ذلك عليه‏.‏

وقال النظام والأصم‏:‏ لا يوصف الله بالقدرة على أن يخلق قدرة غير القادر وحياة غير الحي وأحالا ذلك‏.‏

وقال عامة أهل الإسلام أن الله سبحانه قد أقدر العباد وأحياهم وأنه لا يقدر أحد إلا بأن يخلق الله له القدرة ولا يكون حياً إلا بأن يخلق الله له الحياة‏.‏

وقال قائلون من المشبهة أن الله سبحانه قد أقدر العباد على فعل الأجسام وأنه لا يفعل إلا ما كان جسماً وأن العباد يفعلون الأجسام الطويلة العريضة العميقة‏.‏

وقال قوم من الغالية أن الله سبحانه قد أقدر علي بن أبي طالب رضوان الله عليه على فعل الأجسام وفوض إليه الأمور والتدبيرات‏.‏

وقال قوم منهم أن الله سبحانه قد أقدر نبيه عليه السلام على فعل الأجسام واختراع الأنام وهذا كقول من قال من النصارى أن الله خص عيسى بلطيفة يخترع بها الأجرام وينشئ بها الأجسام وهو كقول من قال من اليهود أن الله سبحانه خلق ملكاً وأقدره على خلق الدنيا فذلك الملك هو الذي خلق الدنيا وأبدعها وأرسل الرسل وأنزل الكتب وهو قول أصحاب ابن ياسين وهو مشتق من قول أصحاب الفلك الذين قالوا أن الله خلق الفلك وأن الفلك هو الذي خلق الأجسام وأبدع هذا العالم الذي يلحقه الكون والفساد وأن ما أبدعه البارئ لا يلحقه كون ولا فساد‏.‏

وقال بعض الضعفاء من العامة أن النبيين هم الذين فعلوا المعجزات والأعلام التي ظهرت عليهم‏.‏

وقال عامة أهل الإسلام‏:‏ لا يجوز أن يقدر الله سبحانه مخلوقاً على خلق الأجسام ولا يوصف البارئ بالقدرة على أن يقدر أحداً على ذلك ولو جاز ذلك لم يكن في الأشياء دلالة على أن خالقها ليس بجسم وأما الحياة والموت وسائر الأعراض فقد أنكر الوصف لله سبحانه بالقدرة على الإقدار عليها كثير من أهل النظر حتى أنكروا أن يوصف الله سبحانه بالقدرة على أن يقدر أحداً على لون أو طعم أو رائحة أو حرارة أو برودة وكل عرض لا يجوز أن يفعله الإنسان فحكمه هذا الحكم عندهم وهذا قول أبي الهذيل والجبائي‏.‏

وقال قوم‏:‏ يجوز أن يقدر الله سبحانه عباده على فعل الألوان والطعوم والأراييح والإدراك بل قد أقدرهم على ذلك ولا يجوز أن يقدر أحداً على الحياة والموت وهذا قول بشر بن المعتمر‏.‏

وكان أبو الحسين الصالحي يقول في كل الأعراض من الحياة والموت وغيرهما أن الله قادر على أن يقدر عباده على ذلك وينكر الوصف لله بالقدرة على أن يقدرهم على الجواهر‏.‏

وقال النظام‏:‏ لا يجوز أن يقدر الله سبحانه أحداً إلا على الحركات لأنه لا عرض إلا الحركات وهي جنس واحد ولا يجوز أن يقدر على الجواهر ولا على أن يخلق الإنسان في غيره حياة‏.‏

وقال أكثر المعتزلة أن الله قد أقدر العباد أن يفعلوا في غير حيزهم‏.‏

وقال بعض المتكلمين أن العباد قد أعجزهم الله سبحانه عن اختراع الجواهر لأنفسهم وهم عاجزون عن ذلك لأعيانهم‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ لا يوصفون بالقدرة على ذلك ولا بالعجز عنه لاستحالته‏.‏

وقال النجار أن الإنسان قادر على الكسب عاجز عن الخلق وأن المقدور على كسبه هو المعجوز عن خلقه‏.‏

وأبى ذلك غيره وقالوا‏:‏ لا نقول أن الله سبحانه أعجزنا عن الخلق ولا نقول أقدرنا عليه لاستحالة ذلك وإن كنا قادرين على الكسب كما أن الحركة التي يقدر البارئ عليها لا يوصف بالقدرة على أن يحلها الله في نفسه ولا بالعجز‏.‏

  واختلفوا هل يقدر الله سبحانه أن يقلب الأعراض أجساماً والأجسام أعراضاً

فقال قائلون‏:‏ الأشياء إنما كانت على ما هي عليه بأن خلقها على ما هي عليه وهو قادر على أن يقلب الأجسام أعراضاً والأعراض أجساماً وأكثر القائلين بهذا القول يقولون‏:‏ الجسم إنما هو وقال قائلون‏:‏ الوصف لله بالقدرة على هذا يستحيل لأن القلب إنما هو إبطال أعراض من الشيء وخلق أعراض فيه والأعراض فليست محتملة لأعراض تبطل منها وتوجد فيها غيرها فتنقلب والأعراض لم تكن أعراضاً لأعراض خلقت فيها فتكون الأجسام إذا حلتها تلك الأعراض انقلبت أعراضاً واعتلوا بعلل غير هذه العلة‏.‏

  واختلفوا هل يوصف البارئ بالقدرة

على أن يرفع جميع اجتماع الأجسام حتى تكون أجزاءً لا تتجزأ‏:‏ فأنكر ذلك النظام ومن أنكر الجزء الذي لا يتجزأ‏.‏

واختلفوا هل يقدر الله عز وجل أن يجمع بين العلم والقدرة والموت وكذلك بين الإرادة والموت أم لا‏:‏ فقال أكثر أهل الكلام‏:‏ يستحيل أن يجمع الله سبحانه بين القدرة والعلم والإرادة والموت كما يستحيل أن يجمع بين الحياة والموت وهذا قول أبي الهذيل ومعمر وهشام وبشر بن المعتمر وسائر المعتزلة‏.‏

واختلف هؤلاء هل يجوز أن يفرد الله الحياة من القدرة أم لا‏:‏ فأجاز ذلك أبو الهذيل وأنكره عباد‏.‏

وقال صالح وأبو الحسين المعروف بالصالحي أن الله سبحانه قادر على أن يجمع بين العلم والقدرة والموت كما جمع بين الحياة والجهل والعجز والكراهة لأنه إذا جامع عرض من الأعراض جاز أن يجامع ضده ضد ذلك العرض وما ضاد عرضاً من الأعراض ضاد ضده ضد ذلك العرض فلو كان العلم يضاد الموت لكانت الحياة تضاد الجهل ولو كانت القدرة والإرادة تضادان الموت لكانت الكراهة والعجز يضادان الحياة فلما جاز كون الجهل والعجز والكراهة مع الحياة جاز كون العلم والقدرة والإرادة مع الموت وأحالوا أن يوصف البارئ بالقدرة على أن يجمع بين الحياة والموت وجوزوا القدرة على أن يفرد الله سبحانه الحياة من القدرة‏.‏

وثبت أبو الحسين وأبو الهذيل ومن ذهب إلى قول قدرة الله سبحانه على خلق الإدراك مع العمى فزعم أبو الهذيل أن الإدراك هو علم القلب وزعم الصالحي أن الإدراك مع العمى يجوز أن يحلا في موضع واحد لأن العمى لو ضاد الإدراك لضاد البصر الذي هو ضد العمى وأنكر هذا سائر المعتزلة‏.‏

ووصفا ربهما بالقدرة على أن يجمع بين القطن والنار ولا يقع إحراق وبين الحجر على ثقله والجو على رقته ولا يفعل هبوطاً‏.‏

وأنكر ذلك قوم آخرون‏.‏

فأما محمد بن عبد الوهاب الجبائي فإنه لا يصف ربه بالقدرة على أن يخلق الإدراك مع العمى لأن العمى عنده ضد الإدراك ويصف ربه بالقدرة على أن يجمع بين النار والقطن ولا يخلق إحراقاً وأن يسكن الحجر في الجو فيكون ساكناً لا على عمد من تحته وإذا جمع بين النار والقطن فعل ما ينفي الإحراق وسكن النار فلم تدخل بين أجزاء القطن فلم يوجد إحراق‏.‏

وكان صالح وأبو الحسين يصفان الله عز وجل بالقدرة على أن يجمع بين البصر الصحيح والمرئي ويرفع الآفات ولا يخلق إدراكاً وأن يكون الفيل بحضرة الإنسان والذرة بالبعد منه وهو مقابل لهما فيخلق فيه إدراكاً للذرة ولا يخلق إدراكاً للفيل‏.‏

ويجوزان أن يخلق الله سبحانه جوهراً لا أعراض فيه ويرفع الأعراض من الجواهر فتكون لا متحركة ولا ساكنة ولا مجتمعة ولا متفرقة ولا حارة ولا باردة ولا رطبة ولا يابسة ولا ملونة ولا مطعمة ولا قابلة لشيء من الأعراض‏.‏

وأحال ذلك عامة أهل النظر لأنه محال عند كثير من أهل الصلاة أن يوجد الجوهر متعرياً من الأعراض فأما الجمع بين البصر الصحيح والمرئي مع ارتفاع الآفات ولا يخلق إدراكاً فذلك فاسد أيضاً عند كثير من أهل النظر لأن الله عز وجل إذا لم يخلق عرضاً خلق ما يضاده وإلا لزم تعرى الجواهر من المتضادات ومن الأعراض وعفا عنها وذلك فاسد‏.‏

اختلف الناس في ذلك فقال عامة أهل التوحيد أن الله قادر على إيقاف الأرض لا على شيء وقد أوقفها لا على شيء وهذا قول أبي الهذيل وغيره‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يوصف البارئ بالقدرة على إيقاف الأرض لا على شيء وأن يحركها لا في شيء بل يخلق تحتها في كل وقت جسماً ثم يعدمه بعد وجوده ثم يخلق مع عدمه جسماً آخر تقف الأرض عليه ثم كذلك أبداً لأن الجسم إذا وجد لا حالي لا بد عندهم من أن يكون متحركاً أو ساكناً ويستحيل أن يتحرك المتحرك إلا عن شيء أو يسكن الساكن إلا على شيء‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا يوصف البارئ بالقدرة على إيقافها لا على شيء غير أنه خلق تحت الأرض جسماً طبعه الصعود وعمله في الصعود كعمل الأرض في الهبوط فلما كافأ ذلك وقفت‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ لا ولكنه خلق الأرض من جنسين جنس ثقيل وجنس خفيف على الاعتدال فوقفت لذلك‏.‏

وذكر ابن الراوندي أن طوائف من المنتحلين للتوحيد قالوا‏:‏ لا يتم التوحيد لموحد إلا بأن يصف البارئ سبحانه بالقدرة على الجمع بين الحياة والموت والحركة والسكون وأن يجعل الجسم في مكانين في وقت واحد وأن يجعل الواحد الذي لا ينقسم مائة ألف شيء من غير زيادة وأن يجعل مائة ألف شيء شيئاً واحداً من غير أن ينقص من ذلك شيئاً ولا يبطله وأنهم وصفوا البارئ سبحانه بالقدرة على أن يجعل الدنيا في بيضة والدنيا على كبرها والبيضة على صغرها وبالقدرة على أن يخلق مثله وأن يخلق نفسه وأن يجعل المحدثات قديمة والقديم محدثاً وهذا قول لم نسمع به قط ولا نرى أن أحداً يقوله وإنما دلسه اللعين ليعتقده من لا معرفة له ولا علم عنده‏.‏

  واختلفوا هل يوصف البارئ بالقدرة على أن يخلق جواهر لا أعراض فيها أم لا

فقال قائلون‏:‏ قد يوصف البارئ بالقدرة على أن يوجد جواهر لا أعراض فيها فتوجد ولا تكون فيها أعراض‏.‏

وقال قائلون‏:‏ يستحيل أن يوجد البارئ جواهر لا أعراض فيها أو يوصف بالقدرة على ذلك‏.‏

  واختلفوا هل يوصف البارئ بالقدرة على لطيفة لو فعلها بمن علم أنه لا يؤمن لآمن

فقال أهل الإثبات جميعاً وبشر بن المعتمر وجعفر بن حرب أن الله سبحانه يقدر على لطيفة لو فعلها بمن علم أنه لا يؤمن لآمن غير أن جعفر بن حرب كان يقول أنه إن فعلها بمن علم أنه لا يؤمن لم يكو يستحق من الثواب على الإيمان ما يستحقه إذا لم يفعلها به فعرضه الله سبحانه بأن لم يفعل ذلك به للمنزلة السنية والأصلح لهم ما فعله الله سبحانه بهم ولم يكن بشر يقول أن الله سبحانه لو فعل اللطيفة لم يكن الذي فعل به يستحق من الثواب دون ما يستحق إذا لم يفعلها به ثم رجع جعفر بن حرب عن القول باللطف بعد ذلك فيما حكي عنه‏.‏

وقال بشر أن ما يقدر الله عليه من اللطف لا غاية له ولا نهاية وعند الله من اللطف ما هو أصلح مما فعل ولم يفعله ولو فعله بالخلق آمنوا طوعاً لا كرهاً وقد فعل بهم لطفاً يقدرون به على ما كلفهم‏.‏

وقالت المعتزلة كلها غير بشر بن المعتمر أنه لا لطف عند الله لو فعله بمن لا يؤمن لآمن ولو كان عنده لطف لو فعله بالكفار لآمنوا ثم لم يفعل بهم ذلك لم يكن مريداً لمنفعتهم فلم يصفوا ربهم بالقدرة على ذلك تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً‏.‏

وقال أكثر هؤلاء في جواب من سألهم‏:‏ هل يوصف البارئ أنه قادر على أصلح مما فعله عباده إن أردتم أن الله سبحانه يقدر على أمثال الذي هو أصلح مما فعله بعباده فالله يقدر من أمثاله على ما لا غاية له ولا نهاية وإن أردتم يقدر على شيء أصلح من هذا قد ادخره عن عباده مع علمه بحاجتهم إليه في إدراك ما كلفم فإن أصلح الأشياء هو الغاية ولا شيء يتوهم وراء الغاية فيقدر عليه أو يعجز عنه لأن ما فعله بهم فهو غاية الصلاح‏.‏

وهذا - زعموا - كقول من قال يقدر الله سبحانه أن يخلق صغيراً أصغر من الجزء الذي لا يتجزأ وأجابوا أيضاً بجواب آخر وهو أنه لا شيء فعله الله سبحانه بعبد الله من الصلاح إلا وهو قادر على أصلح منه لزيد ولا صلاح فعله بزيد إلا وهو يقدر على ما هو أصلح منه لمحمد وكذلك كل واحد من عبيده أبداً وزعموا أنه لا يجوز في حكمة الله سبحانه أن يدخر عنهم شيئاً أصلح مما فعله بهم لهم وأن أدنى فعله بهم ليس في مقدوره ما هو أصلح لهم منه وليس شيء فعله بهم من الصلاح إلا وهو قادر على مثله أو أمثاله لا غاية لذلك ولا جميع له وأنه قادر على دون ما فعله بهم من الصلاح وعلى ضده من الفساد‏.‏

وقال بعض من لا يصف الله بالقدرة على لطيفة لو فعلها بمن علم أنه لا يؤمن من الكفار لآمن‏:‏ قد يوصف القديم بالقدرة على أن يفعل بعباده في باب الدرجات والزيادة من الثواب أكثر مما فعله بهم لأنه لو بقاه أكثر مما يبقى لازداد إلى طاعاته طاعات يكون ثوابه أعظم من ثوابه لما اخترمه فأما ما هو استدعاء إلى فعل الإيمان واستصلاح التكليف فلا يوصف بالقدرة على أصلح مما فعله بهم وهذا قول الجبائي‏.‏

وليس يجيز ذلك من وصفنا قوله آنفاً من أصحاب الأصلح أن يكون قادراً على منزلة يكون عبده أعظم ثواباً إذا فعلها به ثم لا يفعلها به‏.‏

وقال عباد‏:‏ ما وصف البارئ بأنه قادر عليه عالم بفعله وهو لا يفعله فهو جور‏.‏

وقال إبراهيم النظام أن ما يقدر الله عليه من اللطف لا غاية له ولا كل وأن ما فعل من اللطف لا شيء أصلح منه إلا أن له عند الله سبحانه أمثالاً ولكل مثل مثل ولا يقال يقدر على أصلح مما فعل أن يفعل ولا يقال يقدر على دون ما فعل أن يفعل لأن فعل ما دون نقص ولا يجوز على الله عز وجل فعل النقص ولا يقال يقدر على ما هو أصلح لأن الله سبحانه لو قدر على ذلك ولم يفعل كان ذلك بخلاً‏.‏

وقال آخرون أن ما يقدر الله سبحانه عليه من اللطف له غاية وكل وجميع وما فعله الله سبحانه لا شيء أصلح منه والله يقدر على مثله وعلى ما هو دونه ولا يفعله وزعموا أن فعل ما هو دون من الصلاح مع فعل الأصلح من الأشياء فساد وأن الله سبحانه لو فعل ما هو دون ومنع ما هو أصلح لكانا جميعاً فساداً وقالوا‏:‏ لا يقال يقدر الله سبحانه على فعل ما هو أصلح مما فعل لأنه لو قدر على ذلك كان فعل ما هو أصلح أولى والله سبحانه لا يدع فعل ما هو أصلح لأنه أولى به ولأنه لم يخلق الخلق لحاجة به إليهم وإنما خلقهم لأن خلقه لهم حكمة وإنما أراد منفعتهم وليس ببخيل تبارك وتعالى فمن ثم لم يجز أن يدع ما هو أصلح ويفعل ما هو دون ذلك غير أنه يقدر على دون ما صنع ومثله لأنه غير عاجز ولو لم يوصف أنه قادر على ذلك لكان يوصف بالعجز وهذا قول أبي الهذيل‏.‏

وقال أهل الإثبات‏:‏ ما يقدر الله سبحانه عليه من اللطف لا غاية له ولا نهاية ولا لطف يقدر عليه إلا وقد يقدر على ما هو أصلح منه وعلى ما هو دونه وليس كل من كلفه لطف له وإنما لطف للمؤمنين ومن لطف له كان مؤمناً في حال لطف الله سبحانه له لأن الله لا ينفع أحداً إلا انتفع وزعموا أن الله سبحانه قد كلف قوماً لم يلطف لهم وزعموا أن القدرة على الطاعة لطف وأن الطاعة نفسها لطف وأن القرآن والأدلة كلها لطف وخير للمؤمنين وهي عمى وشر وبلاء وخزي على الكافرين واعتلوا بقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏ قل هو للذين آمنوا هدىً وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ‏"‏ وبقوله‏:‏ ‏"‏ ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفاً من فضة ومعارج عليها يظهرون ‏"‏ وبقوله‏:‏ ‏"‏ ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا ‏"‏ وبقوله‏:‏ ‏"‏ ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم ‏"‏ وما أشبه ذلك من آي القرآن‏.‏

وقال آخرون‏:‏ ما يقدر الله تعالى عليه من الصلاح له كل وغاية ولا شيء أصلح مما فعل ويقدر على ما هو دونه ولا يقال يقدر على ما هو أصلح مما فعل ولا مثله لأنه لو قدر على مثله - زعموا - لم يكن ما فعل أصلح الأمور وقالوا‏:‏ لو قدر على ما هو أصلح مما فعل فلم يفعل كان قد بخل وقالوا‏:‏ لا يجوز أن يأمر العباد بغير ما أمرهم به‏.‏

وقال آخرون‏:‏ ما يقدر عليه من الاستصلاح له كل وجميع ولا استصلاح إلا ما فعل أو يفعل ولا يقال يقدر على أصلح مما فعل ولا على مثله ولا على صلاح دون ما فعل لأن الله عز وجل لا يدع صلاحاً إلا فعله لأنه ليس ببخيل فيمنع نعمة ويدخر فضيلة وأنه لا يموت العبد إلا ولم يبق له صلاح إلا فعله به‏.‏

القول في أن البارئ لم يزل محسناً‏:‏ قال قائلون‏:‏ لم يزل البارئ محسناً كيف يفعل بمعنى أنه لم يزل عالماً كيف يفعل لا على معنى أنه لم يزل محسناً بالإحسان ولا على إثبات الإحسان لم يزل وقال قائلون‏:‏ لم يزل الله محسناً على الحقيقة‏.‏

وقال قائلون‏:‏ الإحسان فعل ولا يجوز أن يقال لم يزل البارئ محسناً إلا بمعنى أنه لم يزل محسناً إلى الخلق منذ خلقهم فيكون لإحسانه أول وغاية وقال قائلون‏:‏ لم يزل البارئ محسناً على أن سيحسن‏.‏

  واختلفوا هل يقال لم يزل البارئ غير محسن

فقال قائلون‏:‏ لا يجوز إطلاق ذلك وإن كان الإحسان فعلاً‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لم يزل البارئ غير محسن‏.‏

واختلفوا هل يقال لم يزل البارئ عادلاً بنفي الجور عنه‏:‏ فقال قائلون‏:‏ لم يزل البارئ عادلاً على إثباته عادلاً وأنه لم يزل كذلك في الحقيقة‏.‏

واختلفوا هل يقال لم يزل البارئ غير عادل أم لا‏:‏ فقال قائلون‏:‏ لا يقال ذلك وقال قائلون‏:‏ لم يزل غير عادل ولا جائر‏.‏

واختلفوا هل يقال لم يزل البارئ حليماً أم لا يقال ذلك‏:‏ فقال قائلون‏:‏ لم يزل البارئ حليماً بنفي السفه عنه‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لم يزل حليماً على إثباته لم يزل كذلك لا على معنى نفي السفه وقال قائلون‏:‏ لا يقال لم يزل حليماً لأن الحلم فعل‏.‏

واختلف الذين قالوا الحلم فعل هل يقال لم يزل البارئ غير حليم أم لا‏:‏ فقال قائلون‏:‏ لم يزل البارئ غير حليم ولا سفيه وقال قائلون منهم‏:‏ لا يقال ذلك وقال قائلون‏:‏ لم يزل البارئ خالقاً عادلاً حليماً محسناً على أنه لم زيل قادراً على ذلك‏.‏

القول في أن الله لم يزل صادقاً‏:‏ قالت المعتزلة وكثير من أهل الكلام‏:‏ الوصف لله بالصدق من صفات الفعل وأنه لا يجوز أن يقال أن الله سبحانه لم يزل صادقاً‏.‏

وحكي عن جعفر بن محمد بن علي رضوان الله عليهم أنه كان يزعم أن الله لم يزل صادقاً بنفي الكذب‏.‏

وكان النجار يقول‏:‏ لم يزل البارئ صادقاً على معنى لم يزل قادراً على الصدق وقال قائلون‏:‏ لم يزل الله صادقاً في الحقيقة على إثبات الصدق صفة له‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لم يزل الله متكلماُ ولا يسمى كلامه خبراً إلا لعلة والصدق من الأخبار فلذلك لا أقول‏:‏ لم يزل صادقاً‏.‏

واختلف الذين قالوا الصدق فعل هل يقال لم يزل البارئ غير صادق فقال قائلون منهم‏:‏ لا يقال ذلك وقال قائلون منهم‏:‏ لم يزل غير صادق ولا كاذب‏.‏

واختلفوا في رحيم فقال قائلون‏:‏ لم يزل الله رحيماً وقال قائلون‏:‏ الرحمة فعل ولا يقال لم يزل رحيماً‏.‏

واختلف الذين زعموا أن الرحمة فعل هل يقال لم يزل البارئ غير رحيم فأجاز ذلك بعضهم‏.‏

القول في مالك‏:‏ قال قوم‏:‏ هو من صفات الذات لم يزل مالكاً واختلف الذين قالوا ذلك فقال بعضهم‏:‏ معنى مالك معنى قادر‏.‏

القول في الولاية والعداوة والرضى والسخط‏:‏ قالت المعتزلة أن ولاية الله وعداوته ورضاه وسخطه من صفات فعله وقال سليمان بن جرير القول في القرآن قالت المعتزلة والخوارج وأكثر الزيدية والمرجئة وكثير من الرافضة أن القرآن كلام الله سبحانه وأنه مخلوق لله لم يكن ثم كان‏.‏

وقال هشام بن الحكم ومن ذهب مذهبه أن القرآن صفة لله لا يجوز أن يقال أنه مخلوق ولا أنه خالق هكذا الحكاية عنه وزاد البلخي في الحكاية أنه قال‏:‏ لا يقال غير مخلوق أيضاً كما لا يقال مخلوق لأن الصفات لا توصف‏.‏

وحكى زرقان عنه أن القرآن على ضربين‏:‏ إن كنت تريد المسموع فقد خلق الله سبحانه الصوت المقطع وهو رسم القرآن وأما القرآن ففعل الله مثل العلم والحركة منه لا هو هو ولا هو غيره‏.‏

وقال محمد بن شجاع الثلجي ومن وافقه من الواقفة أن القرآن كلام الله وأنه محدث كان بعد أن لم يكن وبالله كان وهو الذي أحدثه وامتنعوا من إطلاق القول بأنه مخلوق أو غير مخلوق‏.‏

وقال زهير الأثري أن القرآن كلام الله محدث غير مخلوق وأنه يوجد في أماكن كثيرة في وقت واحد‏.‏

وبلغني عن بعض المتفقهة أنه كان يقول أن الله لم يزل متكلماً بمعنى أنه لم يزل قادراً على الكلام ويقول أن كلام الله محدث غير مخلوق وهذا قول داود الأصبهاني‏.‏

وقال أبو معاذ التومني‏:‏ القرآن كلام الله وهو حدث وليس بمحدث وفعل وليس لمفعول وامتنع أن يزعم أنه خلق ويقول ليس بخلق ولا مخلوق وأنه قائم بالله ومحال أن يتكلم الله سبحانه بكلام قائم بغيره كما يستحيل أن يتحرك بحركة قائمة بغيره وكذلك يقول في إرادة الله ومحبته وبغضه أن ذلك أجمع قائم بالله وكان يقول أن بعض القرآن أمر وهو الإرادة من الله سبحانه للإيمان لأن معنى أن الله أراد الإيمان هو أنه أمر به‏.‏

وحكى زرقان عن معمر أنه قال أن الله سبحانه خلق الجوهر والأعراض التي هي فيه هي فعل الجوهر وإنما هي فعل الطبيعة فالقرآن فعل الجوهر الذي هو فيه بطبعه فهو لا خالق ولا مخلوق وهو محدث للشيء الذي هو حال فيه بطبعه‏.‏

وحكي عن ثمامة بن أشرس النميري أنه قال‏:‏ يجوز أن يكون من الطبيعة ويجوز أن يكون الله سبحانه يبتدئه فإن كان الله سبحانه ابتدأه فهو مخلوق وإن كان فعل الطبيعة فهو لا خالق ولا مخلوق‏.‏

وهذا قول عبد الله بن كلاب‏:‏ قال عبد الله بن كلاب أن الله سبحانه لم يزل متكلماً وأن كلام الله سبحانه صفة له قائمة به وأنه قديم بكلامه وأن كلامه قائم به كما أن العلم قائم به والقدرة قائمة به وهو قديم بعلمه وقدرته وأن الكلام ليس بحروف ولا صوت ولا ينقسم ولا يتجزأ ولا يتبعض ولا يتغاير وأنه معنى واحد بالله عز وجل وأن الرسم هو الحروف المتغايرة وهو قراءة القرآن وأنه خطأ أن يقال‏:‏ كلام الله هو هو أو بعضه أو غيره وأن العبارات عن كلام الله سبحانه تختلف وتتغاير وكلام الله سبحانه ليس بمختلف ولا متغاير كما أن ذكرنا لله عز وجل يختلف ويتغاير والمذكور لا يختلف ولا يتغاير وإنما سمي كلام الله سبحانه عربياً لأن الرسم الذي هو العبارة عنه وهو قراءته عربي فسمي عربياً لعلة وكذلك سمي عبرانياً لعلة وهي أن الرسم الذي هو عبارة عنه عبراني وكذلك سمي أمراً لعلة وسمي نهياً لعلة وخبراً لعلة ولم يزل الله متكلماً قبل أن يسمى كلامه أمراً وقبل وجود العلة التي لها سمي كلامه أمراً وكذلك القول في تسمية كلامه نهياً وخبراً وأنكر أن يكون البارئ لم يزل مخبراً أو لم يزل ناهياً وقال أن الله لا يخلق شيئاً إلا قال له كن ويستحيل أن يكون قوله كن مخلوقاً‏.‏

وزعم عبد الله بن كلاب أن ما نسمع التالين يتلونه هو عبارة عن كلام الله عز وجل وأن موسى عليه السلام سمع الله متكلماً بكلامه وأن معنى قوله‏:‏ ‏"‏ فأجره حتى يسمع كلام الله ‏"‏ معناه حتى وقال بعض من أنكر خلق القرآن أن القرآن قد يسمع ويكتب وأنه متغاير غير مخلوق وكذلك العلم غير القدرة والقدرة غير العلم وأن الله سبحانه لا يجوز أن يكون غير صفاته وصفاته متغايرة وهو غير متغاير وقد حكي عن صاحب هذه المقالة أنه قال‏:‏ بعض القرآن مخلوق وبعضه غير مخلوق فما كان منه مخلوقاً فمثل صفات المخلوقين وغير ذلك من أسمائهم والأخبار عن أفاعيلهم وزعم هؤلاء أن الكلام غير محدث وأن الله سبحانه لم يزل به متكلماً وأنه مع ذلك حروف وأصوات وأن هذه الحروف الكثيرة لم يزل الله سبحانه متكلماً بها‏.‏

وحكي عن ابن الماجشون أن نصف القرآن مخلوق ونصفه غير مخلوق‏.‏

وحكى بعض من يخبر عن المقالات أن قائلاً من أصحاب الحديث قال‏:‏ ما كان علماً من علم الله سبحانه في القرآن فلا نقول مخلوق ولا نقول غير الله وما كان فيه من أمر ونهي فهو مخلوق وحكاه هذا الحاكي عن سليمان بن جرير وهو غلط عندي‏.‏

وحكى محمد بن شجاع أن فرقة قالت أن القرآن هو الخالق وأن فرقة قالت‏:‏ هو بعضه وحكى زرقان أن القائل بهذا وكيع ابن الجراح وأن فرقة قالت أن الله بعض القرآن وذهب إلى أنه مسمى فيه فلما كان اسم الله سبحانه في القرآن والاسم هو المسمى كان الله في القرآن وأن فرقة قالت‏:‏ هو أزلي قائم بالله سبحانه لم يسبقه‏.‏

وكل القائلين أن القرآن ليس بمخلوق كنحو عبد الله بن كلاب ومن قال أنه محدث كنحو زهير ومن قال أنه حدث كنحو أبي معاذ التومني يقولون أن القرآن ليس بجسم ولا عرض‏.‏

  واختلفوا في كلام الله سبحانه هل يسمع أم لا يسمع‏:‏

فقال قائلون‏:‏ ليس يسمع كلام الله إلا بمعنى أنا نفهمه وإنما نسمعه متلواً أي نسمع تلاوته وأن موسى عليه السلام سمعه من الله عز وجل‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لسنا نسمع كلام الله بأسماعنا ولا نسمع أيضاً كلام البشر بأسماعنا وإنما نسمع في الحقيقة الشيء المتكلم متكلماً فموسى سمع الله سبحانه متكلماً ولا سمع كلاماً في الحقيقة وأنه يستحيل أن يسمع ما ليس بقائم بنفسه‏.‏

وقال قائلون‏:‏ المسموع هو الكلام أو الصوت وكلام البشر يسمع في الحقيقة وكذلك كلام الله نسمعه في الحقيقة إذا كان متلواً وأنه هذه الحروف التي نسمعها ولا نسمع الكلام إذا كان محفوظاً أو مكتوباً‏.‏

وقال قائلون‏:‏ لا مسموع إلا الصوت وأن كلام الله سبحانه يسمع لأنه صوت وكلام البشر لا يسمع لأنه ليس بصوت إلا على معنى دلائله التي هي أصوات مقطعة تسمع وهذا قول النظام‏.‏

واختلف القائلون أن القرآن مخلوق في القرآن ما هو وكيف يوجد في الأماكن‏:‏ فقال قائلون‏:‏ هو جسم من الأجسام ومحال أن يكون عرضاً لأنهم ينكرون أن يكون الله سبحانه أو أحد عباده يفعل عرضاً ولا يفعل عنده شيئاً إلا ما كان جسماً إلا الله وحده فإنه عندهم شيء وليش بجسم ولا عرض هذه حكاية قول جعفر بن مبشر وأظن أنا أن هذا قول الأصم‏.‏

وقال قائلون‏:‏ إن كلام الخلق عرض وهو حركة وأن كلام الخالق جسم وأن ذلك الجسم صوت مقطع مؤلف مسموع وهو فعل الله وإنما أفعل قراءتي وهي حركتي وهي غير القرآن‏.‏

وحكى ابن الراوندي أنه سمع بعض أهل هذه المقالة يزعم أنه كلام في الجو وأن القارئ يزيل مانعه بقراءته فيسمع عند ذلك وهذا قول إبراهيم النظام في غالب ظني‏.‏

وزعم زاعم أن كلام الله سبحانه باق والأجسام يجوز عليها البقاء وأما كلام المخلوقين فلا يجوز عليه البقاء‏.‏

وحكى زرقان عن الجهم أنه كان يقول أن القرآن جسم وهو فعل الله وأنه كان يقول أن الحركات أجسام أيضاً وأنه لا فاعل إلا الله عز وجل‏.‏

وقال قائلون‏:‏ القرآن عرض من الأعراض وأثبتوا الأعراض معاني موجودة منها ما يدرك بالأبصار ومنها ما يدرك بالأسماع ثم كذلك سائر الحواس ونفى هؤلاء أن يكون القرآن جسماً ونفوا عن الله عز وجل أن يكون جسماً‏.‏

وقال قائلون‏:‏ القرآن معنى من المعاني وعين من الأعيان خلقه الله عز وجل ليس بجسم ولا عرض وهذا قول ابن الراوندي‏.‏

وبعضهم يثبت الله جسماً وينفي الأعراض ويحيل أن يوجد شيء بعد العدم إلا جسم‏.‏

قال جعفر بن مبشر‏:‏ واختلف الذين زعموا أن كلام الله سبحانه جسم فقالت طائفة منهم أن القرآن جسم خلقه الله سبحانه في اللوح المحفوظ ثم هو من بعد ذلك مع تلاوة كل تال يتلوه مع خط كل من يكتبه ومع حفظ كل من يحفظه فكل تال له فهو ينقله إليه بتلاوته وكذلك كل كاتب يكتبه فهو ينقله إليه بخطه وكذلك كل حافظ فهو ينقله إليه بحفظه فهو منقول إلى كل واحد على حياله وهو جسم قائم مع كل واحد منهم في مكانه على غير النقل المعقول من نقل الأجسام وهو مرئي ندركه بالأبصار كذا حكم الكلام عند هؤلاء فهو جسم خارج عن قضايا سائر الأجسام سواه لا يشبهه شيء من الأجسام ولا يشبه شيئاً منها في معناه‏:‏ إن لم يكن هذا هكذا فليس القرآن مخلوقاً عندهم وليس بمسموع عندهم‏.‏

وقالت طائفة أخرى منهم‏:‏ القرآن جسم من الأجسام قائم بالله في غير مكان ومحال أن يكون بعينه ينتقل أو ينقل لأنه لا يجوز عند هؤلاء النقلة إلا عن مكان فلما كان القرآن عندهم جسماً قائماً بالله لا في مكان وأحلوا الزوال إلا عن مكان أحالوا أن ينقل القرآن ناقل لا الله ولا أحد من خلقه فإذا تلاه تال أو كتبه كاتب أو حفظه حافظ فإنما ذلك عند هؤلاء يأتي به الله يخلقه مع تلاوة كل من تلاه وخط كل من كتبه وحفظ كل من حفظه فكلما تلاه تال فإنما يسمع منه خلق الله مخترعاً في تلك الحال وكذلك كلما كتبه كاتب فإنما تدركه الأبصار جسماً اخترعه الله في هذه الحال وكذلك إذا حفظه حافظ فإنما يحفظ القرآن الذي خلقه الله في قلبه في تلك الحال وإنما كان هذا هكذا عند هؤلاء لأنه كلام الله عز وجل فهو في عينه يخلق في حال بعد حال يخلق مع تلاوة التالي مسموعاً من الله قائماً بالله لا بالتالي ولا بغيره يخلق مع خط الكاتب مرئياً قائماً بالله لا بالكاتب والخط وذلك كله عند هؤلاء أن الله بكل مكان على غير كون الجسم في الجسم وكذلك كلامه قائم بالله فهو بكل مكان على غير ما يعقل من كون الأجسام في الأماكن لأنه قائم بالله والله في مكان وإن لم يكن هذا في القرآن هكذا لم يكن القرآن مخلوقاً ولم يسمع القرآن كما قال الله سبحانه‏:‏ ‏"‏ فأجره حتى يسمع كلام الله ‏"‏ إنما تأويله فأجره حتى يسمع كلام الله من الله لا من غيره ولا بغيره‏.‏

وقالت طائفة منهم أخرى بمثل ما قال هؤلاء أنه جسم قائم بالله سبحانه في كل مكان يخلقه الله عز وجل غير أنهم أحالوا أن يكون الله يخلقه بعينه في كل حال ولكن الله يخلق مع تلاوة كل تال وحفظ كل حافظ وخط كل كاتب مثل القرآن فيكون هذا هو القرآن أو مثله بعينه لا هو هو في نفسه ومحال أن يرى القرآن أو يسمع عند هؤلاء إلا من الله دون خلقه لأنه محال أن يرى راء أو يسمع سامع عند هؤلاء إلا ما كان مخلوقاً جسماً فهذه أقاويل من قال أن القرآن جسم‏.‏

فأما الفرقة التي زعمت أن القرآن ليس بجسم ولا عرض فهما طائفتان‏:‏ قال فريق منهم أن القرآن عين من الأعيان ليس بجسم ولا عرض قائم بالله وهو غيره ومحال أن يقوم بغير الله وهو عند هؤلاء إذا تلاه التالي أو خطه الكاتب أو حفظه الحافظ فإنما يخلق مع تلاوة كل تال وحفظ كل حافظ وخط كل كاتب قرآن آخر مثل القرآن قائماً بالله دون التالي والكاتب والحافظ‏.‏

وقال فريق منهم وهم الذين يجعلون الله سبحانه جسماً لا كالأجسام وأن القرآن ليس بجسم ولا عرض لأنه صفة لله سبحانه وصفة الله سبحانه محال أن تكون هي الله ويحيلون أن يكون شيء غير الله ليس بجسم فلذلك يقولون أن القرآن عرض ولو كان جسماً غير الله لما كان عندهم إلا في مكان دون مكان لأنهم يحيلون أن يكون الجسم بكل مكان لأن ذلك عندهم خلاف المعقول وقد جعلوا القرآن في زعمهم في أماكن كثيرة لأنه صفة لله وصفة الله عندهم قد يجوز أن تكون في أماكن كثيرة لمخالفة حكمه لحكم الأجسام والأعراض‏.‏

وقال زهير الأثري أن كلام الله سبحانه ليس بجسم ولا عرض ولا مخلوق وهو محدث يوجد في وقال أبو معاذ التومني أن كلام الله سبحانه ليس بعرض ولا جسم وهو قائم بالله ومحال أن يقوم كلام الله بغيره كما يستحيل ذلك في إرادته ومحبته وبغضه‏.‏

فأما الذين زعموا أن كلام الله سبحانه أعراض فإنهم أحالوا أن يكون قائماً بالله سبحانه‏.‏